إئتلاف استقلال القضاء: وزارة العدل تنتهك القانون والقضاء وتصنع اللاعدالة
أصدر “ائتلاف استقلال القضاء” بيانا اتهم فيه وزارة العدل بأنها تنتهك القانون، وجاء فيه:
“في 5/10/2022، دعا وزير العدل هنري خوري مجلس القضاء الأعلى للانعقاد غدا بتاريخ 11/10/2022 بعدما حدد جدول أعماله بالنظر في مسألتين هما: (1) اتخاذ موقف بالتصويت سلباً أو إيجاباً في ما خص اسم محقق عدلي ثان (البديل وفقنا) في قضية تفجير مرفأ بيروت. (2) البتّ بموضوع تعيين رؤساء غرف محكمة التمييز. وقد برّر الوزير خوري دعوته بأنّ هذين الموضوعين لا يزالان عالقين لدى المجلس وهما طارئين، علماً أن رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود كان رفض الأسبوع الماضي وضع بند “القاضي الرديف” (البديل) على جدول أعماله. وقد أصدر هذا الأخير بيانا منذ قليل تحدث فيه عن ضغوط وتجاوزات، معتبرا أن دعوة وزير العدل هي جزء من الضغط السياسي وتهدف إلى إرغام مجلس القضاء الأعلى على إقرار تسويات سياسية لأسباب غير قضائية.
وفي هذا الإطار، يهمنا تبيان الأمور الآتية:
1- وزير العدل يحوّر صلاحيته لتمرير تسويات سياسية على أنقاض استقلالية القضاء من البين أن دعوة وزير العدل تأتي في إطار ضغوط سياسية على مجلس القضاء الأعلى، تهدف إلى إرغامه على تكريس التسويات السياسية، سواء في تعيين قاض ثان أو في زيادة عدد غرف محكمة التمييز خلافا للقانون ومبادئ استقلالية القضاء وحسن سير العدالة وفق ما نفصّله أدناه.
2- – تعيين قاضٍ ثانٍ أمر غير قانوني وخارج عن صلاحيات وزير العدل ومجلس القضاء الأعلى. ليس لوزير العدل أي صلاحية بأن يطلب من مجلس القضاء الأعلى الموافقة على تعيين قاضٍ ثانٍ في قضية المرفأ طالما أن القاضي الأصيل المعين سابقاً (طارق بيطار) لا يزال في مركزه وتنتفي لديه أي من أسباب عدم الأهلية. ولا يغير من ذلك أن يكون تمّ تعطيله عن العمل بقرار سياسي واضح وبعشرات دعاوى الردّ التعسفية بحقه والتي كان المدّعون فيها أوّل من عطّلوا البتّ فيها. وعليه، فإن الطلب الموجه من وزير العدل هو غير قانوني ولا يصحّ أصلاً عرضه على مجلس القضاء الأعلى لأخذ القرار بشأنه لخروجه عن صلاحيته المحصورة في الموافقة على تعيين قاضٍ واحد لكل قضية وليس أكثر.
ولا يرد على ذلك أن المجلس كان وافق في 8/9/2022 من حيث المبدأ على تعيين قاضٍ ثانٍ، طالما أن الموافقة المبدئية غير نافذة بطبيعتها وبحكم غير الموجودة لصدورها خارج صلاحيات المجلس. بمعنى أن تراجع مجلس القضاء الأعلى ورئيسه عنها هو الموقف الصحيح عملاً بالقاعدة القائلة بأن الرجوع عن الخطأ فضيلة. وهو تراجع يجد مبرره في حصول شبه إجماع في الأوساط القضائية والقانونية على اعتبار التعيين غير قانوني (نقابة المحامين في بيروت، نادي قضاة لبنان، وائتلاف استقلال القضاء والعديد من القضاة المتقاعدين)، وفي رفض ثمانية قضاة التعيين المذكور وفقاً لتصريح وزير العدل”.
واضاف: “كما لا يرد على ذلك بأن ضمان حقوق المدّعى عليهم الموقوفين في قضية المرفأ ضرورة تسمح بتجاوز المحظور للأسباب الآتية:
· إنه لا يجوز تجزئة الملف بمعنى تعيين قاض للنظر في “الاحتجاز” و”المسؤوليات” والآخر في “إثبات الحقائق” و”الحقوق” لعدم قابليته للتجزئة،
· إن الصلاحية المقترح منحها للقاضي المعين بهذه الطريقة ليست محصورة بطلبات إخلاء سبيل الموقوفين بل بالنظر في الدفوع الشكلية وفي أي طلب طارئ وفقاً لطلب وزير العدل. ومن المعلوم أن مفهوم “طارئ” هو مفهوم قابل للتوسع بقدر ما تطول مدة تعطيل القاضي بيطار عن العمل، على نحو يؤدي عملياً إلى توسيع صلاحيات القاضي البديل لتشمل حفظ الأدلة والإعلان عن أسباب التفجير لضمان حقوق المضمونين تجاه شركات التأمين وصولاً إلى إصدار قرار لإتهامي.
أنه ليس لوزير العدل أو مجلس القضاء الأعلى أصلا أي صلاحية في الحدّ من صلاحية القاضي المعين كون هذا الأمر يحدده القانون فقط، ما يسمح للقاضي المعين على هذا الوجه باتخاذ جميع القرارات والاجراءات التي يرغب باتخاذها في هذه القضية من دون إمكانية حصرها بالنظر في طلبات إخلاء السبيل فحسب،
· تبعا لما تقدم، فإن الوصف الصحيح للقاضي المعين ليس القاضي “الرديف” إنما القاضي “البديل” ويكون التعيين المذكور بمثابة عزل للقاضي الأصيل عن الملف الذي ينظر فيه خلافا للقوانين المعمول بها وعلى نحو يمس بأهم معايير استقلال القضاء،
· أن ثمة طرقاً أخرى تسمح بتأمين حقوق الموقوفين من دون المسّ بحقوق الضحايا أو المجتمع وتؤدي إلى تعزيز استقلالية القضاء وعمل العدالة. وهي تقوم على إقرار قانون يسمح للمحقق العدلي بمواصلة عمله حتى ولو قدمت ضده طلبات الرد والمخاصمة إلى حين النظر فيها، وذلك لعدم جواز تعطيل تحقيق بأهمية تحقيق المرفأ أو أي تحقيق جزائي بفعل تعسّف أحد المدعى عليهم أو شكوك لم يتسن لأي محكمة التحقق من مشروعيتها، وذلك على غرار ما تعمل به غالبية الدول الديمقراطية ومنها فرنسا.“
3- تشكيلات بألوان سياسية مجددا
وتابع: “يسجل بداية أن وزير العدل يضع البند المتصل بتعيين رؤساء غرف محكمة التمييز مجدداً على جدول أعمال مجلس القضاء الأعلى بعد أشهر من رفض وزير المالية التوقيع عليه، وذلك لسببين: سبب مشروع وهو استبدال اسم إحدى القاضيات المعينات (جمال خوري) طالما أنها بلغت سن التقاعد خلال فترة الانتظار، وسبب غير مشروع وهو الضغط على مجلس القضاء الأعلى لإنشاء غرفة إضافية في محكمة التمييز يكون رئيسها مسلماً، وذلك بهدف تعديل موازين القوى داخل الهيئة العامة لمحكمة التمييز التي سيكون لقراراتها مواقف مؤثرة على تحقيق المرفأ. ويستند هذا الضغط على مرسوم تحديد ملاك محكمة التمييز.
وهنا أيضا، نذكر بالآتي:
.أن صلاحية مجلس القضاء الأعلى في حسم قضايا التشكيلات صلاحية مكرّسة في قانون تنظيم القضاء العدلي، حيث جاء حرفياً أن المجلس يحسم بأكثرية 7 أصوات مشاريع التشكيلات القضائية في حال وجود أي اختلاف مع وزير العدل، بحيث تصبح التشكيلات ملزمة ونهائية. ويستدل من ذلك أن صلاحية الرؤساء والوزراء بالتوقيع على مرسوم إصدار التشكيلات تصبح في هذه الحالة صلاحية مقيدة من دون أن يكون لأي منهم ممارسة فيتو ضد مضمونها،
· أن الاستناد إلى مرسوم ملاك محكمة التمييز ليس في محله، طالما أنه صدر منذ ذلك الحين العديد من مراسيم التشكيلات القضائية التي حدد فيها عدد الغرف بعشرة فقط، ومنها تشكيلات العام 2017، والأهم أن القضاء يعاني من شغور في ملاكه يقارب 40% فضلا عن معاناته حاليا من نزف في موارده بنتيجة الاستقالات وأن إنشاء غرفة إضافية في محكمة التمييز هي مسألة يعود لمجلس القضاء الأعلى أن يقيم مدى ملاءمتها على ضوء الموارد البشرية المتوفرة والحاجة لحسن تسيير المرفق القضائي،
· أن الضغط في اتجاه زيادة عدد الغرف بعد تطييف المراكز فيها إنما يفتح صراع نفوذ وبازارا قد لا ينتهي على مذهب رئيس الغرفة الإحدى عشرة وعلى إسمه، وهو بازار لا ينفصل عن رغبة القوى السياسية في التحكم بقرارات الهيئة العامة وبخاصة القرارات المتصلة بتحقيق المرفأ.
.أخيرا، نذكر أن اقتراح قانون استقلالية القضاء العدلي الذي أقرته لجنة الإدارة والعدل في كانون الأول 2022 يسمح بصدور التشكيلات القضائية التي يقرها مجلس القضاء الأعلى في تكوينه الجديد، في حال انقضاء شهر من دون صدور المرسوم المتصل بها. وكانت وزارة العدل أعاقت إقرار هذا الاقتراح وما تزال من خلال التقاعس عن إبداء رأيها بشأنه خلال المدة المحددة لها من مجلس النواب (شهر ابتداء من شباط 2022).
ووختم البيان: “عليه، يهمنا إبداء المواقف والمطالب الآتية:
– نذكر وزير العدل ومجلس القضاء الأعلى بأن صلاحياتهما محدودة بالقانون وأنه ليس لأي منهما أي صلاحية بتعيين قاض بديل للمحقّق العدلي طارق بيطار في قضية تفجير مرفأ بيروت عملا بقانون المحاكمات الجزائية وبمبادئ استقلال القضاء وفصل السلطات المكرسة دستوريا،
– نضع وزير العدل أمام واجب الالتزام بحدود صلاحياته المقيدة بموجب القانون، لجهة وجوب التوقيع على مرسوم التشكيلات القضائية وفق الصيغة التي ينتهي إليها مجلس القضاء الأعلى, من دون حاجة لعرضها على وزير المالية لانتفاء صلاحيته في هذا الخصوص. كما نضعه أمام مسؤوليته في الإفراج عن اقتراح استقلالية القضاء العدلي من دون إبطاء،
– نطالب النوّاب والكتل النيابية كافّة بتكثيف الجهود بأسرع وقت ممكن باتجاه تعديل أصول المحاكمات الجزائية لمنع عرقلة التحقيقات الجزائية تلقائياً نتيجة دعاوى الردّ والمخاصمة ضمانا لحقوق الضحايا والموقوفين، وإقرار قانون استقلالية القضاء العدلي وفقاً للمعايير الدولية مع الأخذ بعين الاعتبار الرأي الصادر عن هيئة البندقية في حزيران 2022.
– أخيرا، نحذّر من مغبّة التشويش على الرأي العام والتي قادتها وتقودها قوى سياسية في اتجاه تقزيم قضية المرفأ وطمس ذاكرة الضحايا وصولا إلى قلب المسؤوليات في تعطيل التحقيق، داعين وسائل الإعلام والمواطنين كافة إلى مواجهة محاولات التشويش هذه نظرا لنتائجها الوخيمة على الذاكرة والعدالة.“